قوة الشرعية، تسعف سمو السيادة

عبد الله يعقوب حرمة الله

شكل انتخاب فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أول انتقال رئاسي سلمي في التاريخ السياسي الموريتاني، مكن الدولة من امتلاك زمام الشرعية، والخروج من بؤر التحفظ الشعبي والسياسي والدولي، الذي غذى الخطابات العدوانية اتجاه الدولة والشعب، منذ "مؤتمر  الاك"، وما تلاه من تحور الطرح الذي أفضى إلى " شرعية" استهداف السيادة ورموزها في المشهد السياسي.

اعتبر تدنيس المقدسات، حرق العلم والسخرية من النشيد الوطني، والنيل من مقام حامي الدستور واستهداف الحوزة الترابية والجنود ورجال الأمن وتبني رفع السلاح ضد الجمهورية؛ واجهة لخطابات وتوجهات معلنة.

حماية الرموز من حقوق المواطنة

طالت الاعتقالات خارج المساطر القانونية، في جميع فترات حياة الدولة الموريتانية، الابناء العاقين المتسللين عبر واجهات المواطنين العاديين و المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والصحفيين والمعارضين السياسيين؛ على خلفية المساس بالمقدسات والنيل من رموز السيادة و إهانة وتجريح شخص الرئيس، وجميع أشكال الاعتداء على القوات المسلحة وقوات الأمن؛ وكانت في كل مرة تجد الدولة نفسها مضطرة للتراجع وطي الملف لسيادة الفراغ القانوني، لتعود أدراجها مثقلة بعبء تشويه الحملات الإعلامية  و الحقوقية في الداخل والخارج.

يزخر تاريخ تناول الشأن العام بالمؤامرات والاعتداءات اللفظية والمكتوبة، التي تحرض وتعد للعبور إلى الأفعال المادية المجسدة.

 أضفى تطور مظاهر العنف الرمزي بعدا خطيرا على التعاطي مع " تنظير" الأفعال الإجرامية المترتبة عن الإساءة إلى رؤساء الدول ، زادتها قوة وحماقة محتويات الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام المعاصرة.

 "الغوغاء"، تهدد حرية التعبير 

في معمعان الثورة الرقمية، المغرية للضحايا التاريخيين لسطوة التكميم، تلزم قوة القوانين و نبل الاخلاق وثقل التقاليد مواطني الدول، التمسك بعرى الانتماء للأوطان ومن نال تزكيتهم لتمثيلها والتحكم في مصيرها، و إعادة اكتشاف الشعور بالاعتدال والاحترام المطلق.

تعتبر أسبقية سيادة القانون والحفاظ على كرامة الإنسان، كمبادئ تقرها الالتزامات الدولية للبلدان، ركيزتان أساسيتان لمجتمع حر و مسؤول، تجرم تشريعاته مظاهر العنف والكراهية ضد ممثل الشعب والدولة وضامن سيادتها بين الأمم.

تشكل الإساءة إلى رئيس الجمهورية استهدافا مباشرا للشعب الذي انتخبه، كمسؤول عن ضمان احترام الدستور، والأداء المنتظم للسلطات العامة، وسلوك الجيوش واستمرارية الدولة، والسلطات والمسؤوليات العليا التي تتطلب أكبر قدر من الاعتبار، وهو كذلك في المجتمعات المسلمة يحمل أمانة التكفل بمخلوقات كرمها الخالق.

تتجسد روح الأمم عبر سيادة  الحضارة والوئام والسلم الأهلي، وتكريس هيبة من يستمد شرعيته من إرادة الشعب صاحب السيادة.

تملي رغبة الأمم في العيش المشترك  والسعي وراء مصيرها، وضمان نفوذها العالمي ومصداقيتها، حماية رمز الوحدة الوطنية، لرفع مستوى النقاش العام والحفاظ على الخصوصية الحضارية للوطن وحياته السياسية.

تعتبر رموز الهوية الوطنية وأعلام وأناشيد الدول محصنة بقوة القانون في البلدان الأكثر ديمقراطية، ففي ألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا؛ تم تضمينها في قانون العقوبات، وفي فرنسا ، تم تبني القانون الذي يجرم إهانة النشيد الوطني والعلم في يناير من العام 2003.

التشبث بسيادة القانون؛ 

ألقت الشرطة الفرنسية القبض على شخصين وجهت لهما تهمة ازدراء شخص رئيس الجمهورية مساء السبت 24 يوليو الجاري، بعد اقتحام عشرات المتظاهرين المناهضين لإلزامية التلقيح ضد الكوفيد، مبنى بلدية "بواتييه"  والاستيلاء على صورة مكبرة للرئيس ماكرون وتمزيقها علنا. وقد تعددت إدانات الطبقة السياسية والمنتخبين، مشددين على ضرورة احترام سيادة القانون.

فتح مكتب المدعي العام في "تولون" يوم الثلاثاء 20 يوليو 2021، تحقيقا في "الإهانة  العلنية" للرئيس الفرنسي، ضد شخص أعد ملصقات تقدم الرئيس إيمانويل ماكرون في دور أدولف هتلر عبر لوحتين كبيرتين للتنديد بإجبارية اللقاح المضاد لفيروس كوفيد. واعتبرت النيابة العامة أن رئيس الجمهورية "محمي من الأذى والتشهير العلني". 

في شهر إبريل من العام 2020، وضعت الشرطة الفرنسية تحت الحراسة النظرية مواطنة شابة محسوبة على تشكيلة سياسية من أقصى اليسار  بعد رفعها من شرفة بيتها لافتة تربط اسم الرئيس الفرنسي بالفيروس.

تدخل اللافتات المناهضة لماكرون، أو التي تستهدف أي رئيس فرنسي تحت التكييف الجنائي لازدراء الشخص الممثل للسلطة العامة، و يتحدث القانون بوضوح عن " الكلمات أو الإيماءات أو التهديدات أو الكتابات أو الصور من أي نوع" حتى في حالة عدم الإعلان عنها،   ويعتبرها  "ازدراء" يعاقب عليه بغرامة قدرها 7500 يورو، وفي حالة مخاطبته مباشرة، يعاقب على "الازدراء" بالسجن النافذ لمدة عام وغرامة قدرها 15000 يورو.

وقد سبق للقضاء الفرنسي في العام 2013 الحكم بتغريم ناشط في الحزب الإشتراكي لوح خلال زيارة رئاسية بلافتة كتب عليها  "Casse-toi pov" con "، حيث اعتبرها إهانة للرئيس السابق ساركوزي.

 ليس من الممكن قانونيا إهانة رئيس الجمهورية دون عقاب، حتى من خلال الشعارات الملصقة على المباني، بغض النظر عن موافقة الشخص أو اختلافه مع السياسة المتبعة.

يجرم القانون الفرنسي إهانة النشيد الوطني و العلم ​​ويقر غرامة قدرها 7500 يورو، وفي حالة  ارتكابها في اجتماع علني، يعاقب هذا الازدراء بالسجن النافذ لمدة ستة أشهر إضافة إلى الغرامة.

يعاقب القانون الفرنسي أشكال التطاول على ممثلي السلطة والقوة العمومية، و بشكل صارم الجرائم التي تستهدف رئيس الجمهورية، عبر جميع أشكال النشر ، خصوصا الكتب والمؤلفات بغض النظر عن مستوى الإهانة ودرجة خطورتها.

كما استحدثت فرنسا جريمة إهانة أو إزدراء النشيد الوطني و العلم، و يعاقب كذلك القانون التشهير أو الإهانة في حق الجيوش البرية والبحرية والجوية وقوات الأمن،   واستفزاز الجنود بهدف صرفهم عن واجباتهم العسكرية وعن الطاعة التي يدينون بها لقادتهم.

سيادة الدول مكاسب الامتهان؛

حكم القضاء العسكري في تونس منتصف شهر مارس من العام الماضي على مواطن بالسجن النافذ لمدة ثلاثة أشهر بتهمة إهانة الرئيس التونسي الحالي، إثر نشره على الفيس بوك باسم مستعار  ما اعتبرته المحكمة منشورات مسيئة ومهينة في حق القائد الأعلى للقوات المسلحة.

أصدر القضاء الجزائري في شهر مايو الماضي حكما بالسجن النافذ لمدة سنتين، وغرامة مالية، في حق طبيبة جزائرية بعد إدانتها  بتهمة "إهانة الإسلام" ونفس العقوبة بتهمة "الاعتداء على شخص رئيس الجمهورية".

في السنغال يجرم القانون منذ أكثر من عقدين "إهانة رئيس الدولة"، التي يعتبرها إضرارا بالمصلحة العامة، و يعاقب عليها بالسجن النافذ من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة مالية معتبرة، خصوصا "الجرم المرتكب بحق رئيس الجمهورية بإحدى وسائل النشر العامة الإذاعة والتلفزيون والسينما والصحافة والملصقات والمعارض وتوزيع المناشير أو الصور بأنواعها والخطب والأناشيد والصراخ، و التهديدات الصادرة في الأماكن العامة أو الاجتماعات ، وعمومًا أي عملية فنية تهدف إلى الوصول إلى الجمهور"، ويترتب وجوبا على المدعي العام اتخاذ الإجراءات الخاصة في حالة حدوث إهانة في حق رئيس الدولة، ولا يمكن للمتهم الاعتداد بعذر حسن النية أثناء التحضير لفعله.

حكم القضاء المغربي في العام 2019 على مدون مشهور بالسجن أربع سنوات بتهمة "إهانة الملك" في مقطع فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويقر القانون المغربي عقوبة بالسجن تصل إلى أربع سنوات  لكل من أهان أو أساء إلى شخص الملك أو ولي عهده، أو انتهك الاحترام الواجب في حق الملك.

اثنين, 26/07/2021 - 17:05