الكابوس!

مغلاها منت الليلي

في إحدى ليالي شهر إبريل من عام ٢٠١١ كنت في منزل صديقتي آمنة يب شنان   بمقاطعة دار النعيم بعد يوم عمل شاق وطويل قضيناه نذرع الشوارع ذهابا وإيابا بين مبنى التلفزة وأماكن مختلفة من العاصمة لتغطية أحداث متفرقة هنا وهناك..
في حدود الحادية عشرة قبل منتصف الليل ودعتها متوجهة إلى منزل أختي بعد استراحة شاي كنت في أمس الحاجة لها...
أخذت الشارع الرسمي الذي يمر من دار النعيم باتجاه تنسويلم.. قبل أن أقرر -اختزالا للمسافة- الدخول من الطريق الفرعي المتجه صوب ملتقى طرق الرابع والعشرين مرورا بالزعتر، والذي يفصل بين الدور السكنية يمينا وأحواش الحدائق "ازرايب" من اليسار.
كان الطريق خاليا تماما إلا من سيدة تقف تحت ضوء مصباح خلفي لمتجر صغير يقع على ناصية الشارع ..
استوقفتي وهي تشير بيدها إلى نفس اتجاهي.. 
قلت في نفسي لعلها تريد من يوصلها لمستشفى زايد.. فربما يكون أحد أفراد أسرتها محجوزا هناك ما دفعها للخروج في هذه الساعة..
توقفت قريبا منها وعطلت خاصية تأمين الأبواب لأسمح لها بالدخول.. 
في أقل من ثانيتين، وبخفة ورشاقة ملفتة، كانت متربعة على المقعد بجانبي دون سلام أو تحية، بعد أن صكت الباب بقوة وخشونة لا تناسبان عمرها المفترض!
واصلت طريقي وأنا أفكر في سر اللياقة البدنية العالية التي تتمتع بها سيدة ستينية تقريبا -كما يبدو مظهرها "المَتْمَرْبطْ" على الأقل- قبل أن يقطع تفكيري صوت رجل يطلب مني تخفيف السرعة قليلا! 
التفت إلى مصدر الصوت الذي لم يكن سوى رفيقتي! 
كانت تلتفت إلي مباشرة وقد أسفرت بشكل كامل عن وجهها الذي كانت تغطي نصفه ساعة ركوبها السيارة!
لأجد نفسي مع رجل كث الحية والشارب،  أصلع الرأس، حاد القسمات..
إنني أرى ملامحه بوضوح على الأضواء الداخلية للسيارة.. 
نعم .. فالسيدة العجوز ليست إلا رجلا متنكرا في ثياب امرأة..!
فوضت أمري لله وأيقنت أني وقعت في قبضة مجرم مجهول الهوية.. تراءت أمامي كل السيناريوهات المحتملة في موقف كهذا.. ولعل أكثرها حضورا بالنسبة لي كان القتل..
 أيقنت أنه سيقتلني برصاصة من مسدس تصورت أنه يخفيه بين عباءته وملحفته.. خصوصا أن إحدى يديه كانت تبحث عن شيء ما داخل ثيابه .. مما يصدر خشخشة.. كمن يرتدي ثيابا من ورق مقوّى.. 
استجمعت شجاعتي وقلت بنبرة أردتها واثقة .. "لست مسرعة على الإطلاق بل أسير بشكل عادي جدا!" قلت ذلك وأنا أتلمس هاتفي "نوكيا" وأضغط على زر الإرسال لأتصل على الرقم الأخير وهو رقم صدقتي #آمنة التي كنت معها قبل قليل، تحسبا لأي طارئ محتمل.. 
بذلت جهدا خرافيا لأحافظ على تماسكي وأبدو بمظهر اللامبالية حتى لا ينتبه "المخلوق" لما أحس من رعب داخلي يكاد يشلّني..
تمددت مسافة الطريق القصير أصلا.. وأحسست أن اللحظات تمر ببطء متعمد.. 
كان تركيزي منصبا على الوصول "بسلام" للشارع الرئيسي، القادم من "فيراج محمد سالم"، حيث ترابط بشكل دائم دورية للدرك قريبا من محل تجاري مفتوح على مدار الساعة..
كانت فرحتي لا توصف وأنا أرى أضواء المحل التجاري المذكور على بعد أمتار مني...
حاولت زيادة السرعة لأصل إلى سيارة الدرك... قبل أن يأتي الصوت صارما من رفيقتي الرجل: توقفي هنا..
بكل قوتي ضغطت على المكابح وتوقفت حيث أمرني.. في نهاية المنطقة المظلمة من الطريق.. 
فتح الباب بتثاقل هذه المرة.. وجمع عليه أطراف عبائته وملحفته، وأعاد وضعية لثامه وخرج .. وقبل أن أنطلق أطل علي برأسه من النافذة قائلا بصوته الخشن: جزاك الله خيرا...
ثم أطلق ساقيه للريح باتجاه "لحرايث" وانطلقت بدوري كزوبعة إعصار نحو دورية الدرك لأبلغهم الأمر وأنا لا أكاد أصدق أن أنني نجوت فعلا من هذا الكابوس المروع...
ولحد الساعة طبعا لا أعرف طبيعة ذلك الكائن الذي رافقني تلك الليلة.. هل هو جني أم إنسي؟ وإذا كان إنسيا فلمَ يتنكر في زي سيدة عجوز؟ ثم ما الذي يخفي تحت ثيابه مما يحدث أصوات خشخشة غريبة كلما تحرك؟ وماذا يفعل في تلك المنطقة الموحشة؟!

أربعاء, 23/06/2021 - 07:49