موريتانيا :  سائقو سيارات الأجرة وتقليص عدد الركاب أثناء كوفـيد.

أموه أحمدنـاه

قرب ملتقى طرق  BMD وسط العاصمة نواكشوط،يتحدث عبد الله (سائق سيارة أجرة) عن قرار تقليص الركاب وكأنه حدث بالأمس فيقول:

“من غير المعقول أن يتم الإعلان عن مثل هذا القرار دون أن يصاحبه قرار آخر بمساعدة أصحاب سيارات الأجرة،الذين سيتنازلون عن بعض الركاب لقاء الحفاظ على هذا الإجراء الاحترازي”.
ومع أنه لم يتم بالفعل التطبيق الكامل للقرار، إلا أنه أضر بشكل سلبي على سائقي سيارات الأجرة وما يحصلون عليه يوميا.

القرار الذي أعلنت عنه وزارة النقل الموريتانية،جاء  للحد من تفشي فيروس كورونا وفق بيان الجهات الصحية.
كورونا الذي حط الرحال أول مرة في موريتانيا في يوم 13 مارس 2021 ثم في موجة أخرى في مطلع 2021،حيث هيمنت الإجراءات الاحترازية ومقتضياتها فدفع أصحاب المهن ثمنا باهظا،ومن هؤلاء سائقو سيارات الأجرة حيث تقلصت ساعات العمل وتقلص عدد الركاب ولم تقدم لهؤلاء أية مساعدة. 
حاولنا الحصول على رأي وزارة التجهيز والنقل في موريتانيا غير أن المسؤول عن الاتصال اعتذر قائلا إن لديه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام الرسمية فقط.

قرار وزارة التجهيز والنقل تقليص عدد الركاب كان لسيدي محمود (سائق أجرة) قصة معه،فقد قال وهو ينادي بين الفينة والأخرى على المارين في الجانب الشرقي لملتقى طرق مدريد :
وقفت في الكاراج وبعد عدة دقائق حصلت على عدد الركاب،كانت سيدتان في المقعد الأمامي وأربعة رجال في المقاعد الخلفية،وما إن وصلت ملتقى طرق لكبيد،أي حوالي أربعمائة متر استوقفتني فرقة من أمن الطرق وقال قائلها:
-لديك مخالفة،أنت تحمل ستة أشخاص بينما العدد المسموح به في هذه الفترة أربعة لا أكثر.
أخرج صاحب أمن الطرق دفتر المخالفات وحرر واحدة لي،كان مبلغ المخالفة 600 أوقية (حوالي سبعة عشر دولار )، ثم أخذ أوراق السيارة.
يواصل سيدي محمود وهو يواصل عملية البحث عن  الركاب:
"أخذت المخالفة " وبسبب عدم وجود المبلغ لديه اضطر سيدي محمود إلى تدخل أحد معارفه من أمن الطرق لتسوية المخالفة واسترجاع وثائق سيارته".

 عند ملتقى طرق مدريد،وبالتحديد في الشمال حيث الكاراج الذي ينشط أصحابه في النقل بين منطقة بانبلاه ومدريد قال الشيخ بلال،الستيني الذي يظهر أن حبل الود بينه وبين النقل اتصل منذ أمد بعيد:
"ما إن وصَلَنا القرار حتى قمنا من تلقاء أنفسنا بزيادة السعر من 10 أواق  إلى 15.
ويشير بلال إلى أن القرار لم يرافقه أي تخفيض في أسعار الوقود أو مساعدة من طرف الجهات التي أعلنت عنه،وبأن خطوتهم التي قاموا بها لم يعترض عليها الركاب".

غير أنه في ركن آخر من العاصمة نواكشوط وجد محمود نفسه ملزما  بتطبيق القرار،وأمام ركاب يرفضون دفع أكثر من الأجرة القديمة،يَعدُّ تلك الفترة كما يقول أصعب مرحلة مرت عليه في ممارسة النقل،فهو واحد من مئات الشباب الذي يعملون في سيارات مملوكة لأشخاص يتفقون معهم على تسليم مبلغ معين كل ليلة،وهو يتحدث عن الأمر فيقول:
"مع إشراقة الصباح تبدأ يومياتنا خلف مقود السيارة،القرار كان مجحفا جدا في حقنا كأصحاب دخل محدود،ولكأنه قد اتفق مع الظروف على ما يحدث،فالناس لا تخرج كثيرا من المنازل،وهذا ما زاد من تعقيد وصعوبة المرحلة،يعلم الله أنني كنت أفكر أحيانا في تسليم السيارة لصاحبها وطرق باب آخر من أبواب الرزق،بعد أن أصبح التحصيل تحديا حقيقيا،والقعود مع القاعدين في طابور البطالة لم يكن خيارا متاحا،فلا يمكن لأرباب الأسر الجلوس دون البحث عن ما يسد الرمق"
يضيف وهو يرسم ابتسامة خفيفة على وجهه:
"كنت سأتخلى عن السيارة أو الأسرة التي أصبح تحصيل لقمتها عسيرا،وربما السفر إلى الشمال  حيث الرجال يبحثون في باطن الأرض عن الذهب، والحمدلله أن جاء فرج هذه الكربة بتراجع الإصابات بكوفيد 19".

الباحثة الاجتماعية ميمونة أحمد سالم أشارت إلى أن قرارات التصدي لكورونا:
مست من حقوق الإنسان التي يكفلها القانون،ويتمثل أساسا في حق مزاولة العمل،ما يجعل المسؤولية مضاعفة على الدولة للتوفيق بين توفير الصحة للمواطنين،عن طريق آلية للوقاية وخلق ظروف ملائمة لمزاولة العمل،الأمر الذي لن يحدث بدون دعم تسعيرة الوقود،إلى جانب تأمين صحي لمن يقدمون خدمة النقل العمومي،المعرضين للخطر في الظروف العادية وأثناء الوباء”.

العمل في سيارات الأجرة المملوكة لرجال أعمال يدفع لهم السائق يوميا في الغالب 500 أوقية يوميا (حوالي أربعة عشر دولار) عمل رائج بين سائقي سيارات الأجرة،فهم بعدد الذين يتخرجون سنويا من الجامعات،فتقذف بهم ظروف الحياة في واقع لا بقاء فيه إلا لصاحب دخل .

من خريجي الجامعات الذين امتهنوا هذه المهنة العتيق،حيث عمل سائقا لسيارة أجرة،واضطر للتخلي عن ذلك العمل بفعل النقص في الدخل بعد تقليص عدد الركاب،:
"عندما تخرجت من الجامعة لم أجد عملا،وأمام الحاجة الملحة لراتب يساعد الأسرة التي تحتاجني كعامل لا عاطل يتوكأ على شهادات .

سائق سيارة أجرة يتحدث عن معاناته فيقول:
اتفقت مع صاحب السيارة على مبلغ معين لليوم،غير أن الفترة التي تم فيها الإعلان عن نقص عدد الركاب في سيارات الأجرة،أصبحتُ بالكاد أستطيع توفير المبلغ الذي في الاتفاق بيني وبين المالك،كان القليل هو الذي يبقى في جيبي بعد ذلك وبعد الوقود الذي يُدفع منه،ثم جاء ذلك اليوم الذي تعرضت فيه السيارة لعطل حملني على الاتصال بصاحبها،وقد غضب غضبا شديدا محملا إياي المسؤولية الكاملة،ولأن دخلي لم يعد مشجعا على المواصلة فقد كان ذلك فراق بيني وبينه".

تختلف قصص السائقين لسيارات الأجرة باختلاف الأسماء،وتمتد بين أصحابها أواصر الكدّ والجدّ،وبما أن فيروس كورونا لم يعد المقيم الوحيد في موريتانيا،حيث دخلت سلالات متحورة من قبيل الإبريطاني والهندي والجنوب إفريقي،لا أحد يعلم ما قد تحمله الأيام لسائقي سيارات الأجرة من قرارات قد تقف عقبة في طريقهم ؟

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

أحد, 13/06/2021 - 17:14