"الجنرال في متاهته" اللغوية..

Cheikh Nouh

لطالما سخر الرئيس السابق والانقلابي الجنرال محمد ولد عبد العزيز من الأدب والأدباء، ولم أكن حينها ممن كتب حرفا واحدا في استنكار ذلك؛ ليس فقط لأنني لا أرى الأدب ولا الحياة كلها أكبر من أن يصيرا عرضة للسخرية، ولكن لأني أرى أنه رجل انقلب على مصير بلاد بكاملها، وأجهض أول تجربة لنظام يحكمه مدني منتخب، ونهب ثروات البلد وسلم الباقي لحاشيته ورجاله الفاسدين، وهذا أحق بالنقد لما يترتب عليه.
 وظللت أركز على نقد سياساته على أرض الواقع، والتي انجرت عنها كوارث وتفقير وفساد، وحتى سقوط قتلى في مظاهرات، وتجريد أشخاص من حقوقهم المدنية والطبيعية، وسجن  صحفيين، والقضاء على الحياة السياسية والحزبية، وتمييع كل شيء في البلد. 
ولم أر أن أخطر ما قام به ولد عبد العزيز هو احتقاره "للشعراء"، ومن كانوا قد تعودوا على لعق مؤخرة كل ذي سلطة وشوكة، والحق يقال، إن هؤلاء يستحقون الاحتقار. (يكفي حينها أن ترى بيانات اتحاد أدباء "دخّل شي" العاطلين عن الفعل والكتابة).
بنفس الدرجة احتقر ولد عبد العزيز أيضا منظمات حقوق الإنسان، والمثقفين ووصفهم بأنهم (وحدين يجو من شور النصارى بعريفاتهم)، ووصف الشباب الموريتاني الذي ينفس عن هزائمه وعقده وإحباطه، الذي يشكل عزيز نفسه جزء من أسبابه، بأنهم مجرد قطط (امشوشه).
أقذع في حق أكبر شريحة بالبلد، وبدل الخجل من وضعها كمواطنين مغبونين تلذذ بالتنمر عليها والإساءة.
الآن يعود ولد عبد العزيز إلى وسائل التواصل الاجتماعي ولمجتمع القطط بحثا عن نجدة.
الآن يتحدث عن حقوق الإنسان والقانون والشرعية الدولية والقيم، بعد أن لم يرحم أحدا أيام عتوه وقوته.
الآن يعود بحساب على الفيسبوك وفرقعات إعلامية، وأصبح- ويا للمفارقة!- يكتب له أحدهم بعربية راقية إذا تم إسنادها له ككاتب لها، ومتوسطة إلى مهترئة، إذا كان يدفع لمن يكتب له.
الآن يلوذ ولد عبد العزيز بكل من سخر منهم ودمر مستقبلهم، ومنعهم من الاستفادة من حقوقهم في البلد كما لو أن ثرواته ملك لأبيه.
السؤال الملح:
من يكتب لولد عبد العزيز الآن على صفحته؟.. 
أما الفضولي في الأمر فهو: ما موقفه الآن من الكتابة والأدب والعلوم الإنسانية، التي لطالما سخر منها، وقلل من شأن من يمتهنونها؟
ربما اكتشف العلاقة بين العلوم الإنسانية من جهة وبين السياسة، كما تربط الميكانيكا علاقة بميكانيكا الكم!
 

خميس, 10/06/2021 - 10:49