قائمة “فتح” المتعثرة.. ومظاهرات الأسير البرغوثي

نادية عصام حرحش

متابعة ما يجري بموضوع الانتخابات الفلسطينية يشبه مسلسلات نجدت انزور بالثمانينيات من القرن الماضي بما يسمى بالفانتازيا التاريخية. حالة من الفانتازيا و”التاريخانية” تصيب المتابع منا للمشهد المتفاقم في ازمة تشكيل فتح “الرئيس” كتلتها البرلمانية التي وصلت بالنهاية لتصدر قائمة أولية بأسماء افراد من لجنة فتح المركزية ومحافظي بعض المناطق.

وكأن الازمة وصلت بالفعل الى اوجها، واحتبست في عنق زجاجة يتزاحم على الخروج منها من يستطيع اللوذ بفرصة أخرى بتشكيلة جديدة متجنحة عن الحركة، او وضع نفسه في قائمة لا تتسع الا لبعض العشرات يتزاحم الجميع ليكون فيها ضمن الأسماء العشرة الأوائل.

الانشقاقات التي تتوالى بصف “فتح الرئيس” تضعه بموقف أصعب كل يوم. والحقيقة ان وضعه لا يسر حتى العدو. تجنح القدوة أولا واعلانه تشكيل قائمة منفصلة، تلاه بالأمس انشقاق البرغوثي، وما خفي بالتأكيد أعظم.

منذ فتح باب التسجيل للقوائم الانتخابية، الذي ينتهي موعده الأخير اليوم، تقدمت أكثر من ٢٥ قائمة للخوض في المعركة الانتخابية. قد يبدو الامر غريبا لأول وهلة عندما يفكر المرء بأن الانتخابات قد أعلنت لتعيد فتح وحماس شرعيتهما بالشارع الفلسطيني والدولي بعد انقطاع خمسة عشر عاماً من الانتخابات. ولكن هناك بالتأكيد ما هو بديهي أقرب الى الصحي في هذا الكم من القوائم التي لا تتبع الى تنظيمات بالضرورة وغيرها، لأن الشعب الفلسطيني كذلك وصل الى عنق الزجاجة التي لم تعد فيها إمكانية التنفس او الحراك متاحة. من جهة قد نفهم ان هناك من يريد التسابق ليحوزعلى قسم من “كعكة” التنفذ فيما تبقى من تقاسمات قسمت الوطن والأرض والمواطن وانتجت ما نعيشه من حالة التشرذم والتفكك والتهالك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وهناك من يشعر ان هناك فرصة وحيدة ربما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بإصلاح او تغيير للمنظومة السياسية التي لن يتيحها الا مجلس تشريعي وفق المنظومة السياسية المتاحة.

وفي كل الأحوال يبدو الحل بالتوجه الى إعادة تشكيل قائمة فتح الرسمية (التابعة للرئيس الفلسطيني) تفاقمت صعوبته عن تلك التي شهدناها على مدار أسابيع في محاولات مضنية لتشكيل قوائم الأقاليم، حتى وصلت الأمور الى مسألة الحسم بتصدر جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح القائمة الرسمية. الانقسام الفتحاوي الضاري بداخل “حزب الرئيس”، ومحاولات التقاسم الفتحاوية في مختلف القوائم المحسوبة على فتح سواء كانت تلك التابعة لدحلان، او القدوة، والتي يبدو انها (أي الأخيرة) ستشهد اقتساما ما بين القدوة والبرغوثي لتشكيل قائمة. هذا قد يعني ان ما قام به القدوة كذلك من التجييش على مدى أسابيع سيكون مآله كما جرى مع فتح “الرئيس” لينتهي بقائمة يشكلها البرغوثي من رجاله المقترحين مع القدوة وحيدا او مع من اصطف معه، فيترك المشهد للمتأمل من بعيد كذلك، ليرى اقتراب بعض الشخصيات الفتحاوية التي ترنحت عل مدار الأسابيع الماضية لتجد لنفسها مقعدا محتملا بالصفوف الأولى بالقوائم المتشكلة من كل صوب.

كيفما نظرنا الى المشهد نرى خسائر في صفوف فتح بتجنحاتها وانشقاقاتها وتوحدها، مما سيضعف بالتأكيد قوة كل تيار، وقد يجد الانسان الفلسطيني نفسه أقرب الى حسم صوته تجاه حماس او أي قائمة مستقلة تعطيه بعض المتنفس من امل قادم.

لا اعرف كيف يمكن ان نصل الى مرحلة الامل هذه، في وضع لا نستطيع فيه الوصول الى تشكيل قائمة.

مرة أخرى، بقدر سوء ما يجري ومخاطره، فالمشهد بالأمس للمظاهرات الي انطلقت للدفاع عن البرغوثي في “تجنحه” او الهجوم عليه لا تبشر بأي خير. وقد يبدو اتخاذ أبي مازن قرار الغاء الانتخابات أكثر تعقيدا في ظل تهديد بانفجار أمني داخلي متوقع، وضغط دولي لا نعرف حقيقته من عدمه وسط قرارات واعلانات وتصريحات لا نستطيع بالفعل التمييز بين الحقيقي منها او المختلق.

المترقب للوضع منا، كان يخشى من هذه اللحظة التي كان من الممكن ان تأتي بعد الانتخابات في حال خسرت فتح او كسبت. لم نتصور ان ينفجر الامر بهذا السوء قبل تشكيل القائمة حتى.

التزاحم الذي وصل حد الاقتتال من اجل الحصول على مقعد في الصفوف الأولى بالقوائم، يترتب عليه إشكالية قد نسميها بكل تأكيد “الجشع”، فبينما يرفع الجميع شعارات الحاجة الملحة والضرورية للتغيير، يصبح التغيير مجرد شعار في التسابق في لعبة الكراسي التي يتزاحم المئات على مقعد واحد فيها. فأولئك يرون في أنفسهم او في تواجدهم في هذه الأماكن عنوان التغيير، حتى أصبح تغيير الوجوه هو الهدف الأسمى.

مرة أخرى، لا يمكن توقع سيناريوهات مختلفة لشعب لم يمارس حقه في الانتخابات لأكثر من خمسة عشر عاماً، سبقتها تجربة وحيدة او اثنتان فقط. بينما نشاهد الانتخابات حولنا وبالأخص لدى الاحتلال وكأنها جزء من يوميات شعبه؛ أربع انتخابات في بحر سنة و نيف.

فساد المنظومة السياسية الحاكمة وصل الى حالة من الاهتراء لم تعد هي تتحمله. حالة حقيقية من الجشع يتسابقون فيها الى نهش ما تبقى من الفرص في حلة تشريعية جديدة.

ولكن، لنعد الى ما يحمله الامل في ظل هذا الوضع المتفاقم نحو الانهيار الشامل. نحن نعيش في هذا الحضيض منذ سنوات. فلا حضيض أكثر، والانهيار الأخير يشكل خطورة على المنظومة نفسها بأربابها مجتمعين ومتفرقين ومنقسمين ومتجنحين ويطالهم نحو الجحيم الذي اعتدنا الحياة فيه بعد كل هذه السقطات الى الهاوية.

نحن بحاجة ربما الى هذه “السقطات” لنخرج من بعدها من دمارنا وانهيارنا ورمادنا لنعيد تشكيل هويتنا واولوياتنا ومصالحنا من جديد. فما يجري بالتأكيد يكشف النفوس ويسقط الأقنعة عن الوجوه ويضع الجميع امام مساءلة ومكاشفة لا يستطيع التهرب منها امام الحاجة لكل صوت محتمل. على الرغم من انه في ظل التزاحم على المقاعد لم يعد هناك حتى مكان للحديث عن خطط أي قائمة تتعدى كلمة “تغيير” والتي بالتأكيد مضمونها امر أما حقيقتها ف ” تغيير وجوه” فقط. لا يوجد هناك أي مقترح لما سيقدمه كل مرشح لحلٍ ابعد من المقعد ومحاولة تحسين ظروف الوضع لمن يعطي فصيله صوته. تبقى الشخصيات المتصدرة للمشهد هي التي تتركنا امام مسؤولية قرارنا الذي سندفع ثمنه مجتمعين، إذا ما وجدنا أنفسنا في حمى الانتقام وضرب الكف وتقديم صفعة للغرماء “في حضن” من سيوقع على إنهاء التصفية السياسية للقضية الفلسطينية وسط المعايير التي بدأها ترامب في خطة القرن ويشرف على تطبيقها اتفاقيات التطبيع العربية، التي ينتظر عرابوها فرصة سانحة لإغلاق هذا الملف بمن سيستطيع فرض سطوته على الأرض بهزيمة “السلطة الحالية” او ” اطعام الافواه الجائعة”.

لأنه بينما ينشغل هؤلاء في محاولة اخذ سطوة أكبر لهم ولحواشيهم، فيدمرون بعضهم ويدمرون أنفسهم في حملات تشويه وتضليل وتهديد وفضائح ستبدأ للتو، فتتكشف امامنا نحن الشعب “آلمغيّب” قسرا عن الحقيقة او اختياريا حقيقتهم التي يبدأ فيها الوطن بشعاراته الكبيرة والرنان وينتهي بمصالحهم الخاصة فقط.

حرب الكراسي في القوائم تؤكد مرة تلو المرة ان مصلحة الوطن والمواطن لم تعد حتى شعارا يرفع. المصلحة العليا هي في بقاء فلان وعلان بسطوة ونفوذ يمكّنه وعائلته وأصدقائه أكثر.

وإسرائيل تشاهد عن بعد، بانتظار تفاقم الأوضاع أكثر لتتدخل وتقرر الغاء الانتخابات.

في مشهد سريالي ربما، يقفل الفنتازيا التاريخية بالواقع، فيعكس حقيقة نتمنى عيشها ولو للحظة، وهي تلك التي عشناها لبعض اللحظات بفرحة تحرير الأسير مجد بربر ولقائه بعائلته بعد ٢٠ سنة من الاسر، ليخطف الاحتلال الفرحة ويستكثرها على عائلته وعلينا ويذكرنا انه هناك متربص ليسيطر على كل واي لحظة.

لم تستطع إسرائيل تحمل الفرحة التي ظللت على كل فلسطيني في لحظات لقاء الأسير بعائلته، ولكنها بالتأكيد تستمتع في مشاهدة الاقتتال الفتحاوي الذي ينهش ويكسر في العظام والرقاب والروس، فستترك الامر حتى يصير الغاء الانتخابات مطلبا وطنيا يستدعي تدخل الاحتلال والدول المانحة لنا الأموال لتمنحنا الان الحياة وسط الدم الذي بدأت رائحته بالفوح.

نقلا عن رأي اليوم 

خميس, 01/04/2021 - 10:29