السعادة!

خالد الفاظل

الأسباب التي جعلت الاكتئاب يكثر في عصرنا؛ أن إنسان اليوم يتناول أطعمة حزينة. الدواجن محبوسة في حظائر ضيقة، والأسماك معلبة في قطع معدنية، والأنعام تأكل الأعلاف ولا ترى المراعي المفتوحة على مد البصر. كما أن النباتات أصبحت تزرع في أكياس كتيمة وحقول ملوثة بالأسمدة الكيميائية وقاطفيها عمال تعساء بسبب أرباب العمل الجشعين ولا يرقصون أثناء الحصاد كما كان يفعل أسلافنا القدماء..

الاكتئاب هو الوسط الملائم لنمو معظم الأمراض العضوية والآلام. كما أن إنسان اليوم أيضا خدعته الآلة، فاعتقد أنه من خلالها قادر على أن يصنع سعادة فردانية بجودة عالية خالية من العيوب بعيدا عن ضغط الفطرة. فاصطدام بجدار سميك من الاكتئاب والقلق الدائم من المستقبل، لا يجدي معه نفعا ابتلاع العقاقير وتنزيل المزيد من الألعاب..

السعادة شيء معقد جدا وربطها بظروف وأشياء بعينها يزيد الأمر تعقيدا. وحسب خبرتي المتواضعة في الحياة أنصح الباحثين عنها، بالتواضع؛ وإدراك أنهم نقطة صغيرة في كتاب ضخم يسمى الحياة، وهو كتاب مليئ بالصفحات التي لن يسعفنا العمر المحدود على تقليبها جميعا. فلا ترهقوا أنفسكم فوق طاقتها، فلن تجربوا كل شيء، ولن تتذقوا أيضا كل شيء ولن تستطيعوا الاحتفاظ بكل شيء تملكونه أو تحبونه. ستغادرون الحياة كما دخلتموها عند الولادة؛ حفاة وعرايا من كل شيء إلا من حقائب "الخير والشر" التي ملأتموها أثناء تواجدكم الخاطف في هذه الحياة الغامضة والمسلية. إن أكثر الناس استقرارا نفسيا حسب مشاهداتي؛ هم الذين يعملون بجدية وصبر وصدق على ما ينفع الناس والحياة..

هنا نواذيب. وأعتقد أن عمال المصنع المنتج لياورو غلال سعداء أثناء عملهم، لم أجد ياورو في السوق أحلى منها وألذ طعما. لديها نكهة تعيدني للطفولة وتجعلني ألعقها بأصابعي بدل الملعقة وأتذكر طعم السعادة الأول الضائع في زحمة الهويات المتشعبة والأوطان البيومترية...

الساعة 11:39 صباحا وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

ثلاثاء, 11/08/2020 - 13:01