أحزاب المعارضة والحزب الحاكم: حرب البيانات

اجتماع سابق للأحزاب الممثلة في البرلمان (المصدر: الصحراء)

يبدو أن أرقام الإصابة بفيروس كورونا ليست وحدها التي تصاعدت في الأيام الأخيرة بل واكبها تصاعد "سريع" أيضا في حدة الخطاب السياسي في البلد بعد شهرين من الهدوء الذي وصل لحد التحالف وإصدار البيانات المشتركة.

 

انسجام في المواقف

بعيد الإعلان عن الإصابات الأولى بفيروس كورونا؛ اتصل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بقادة أحزاب المعارضة وتشاور معهم بخصوص الأزمة، ضمن مسار أثمر في ما بعد لقاءات بين الأحزاب الممثلة في البرلمان من المعارضة والموالاة وهي لقاءات استمرّت، بشكل أسبوعي، في النصف الثاني من شهر مايو وشهر إبريل وبداية شهر مايو.

 

يوم 14 مايو أصدر 15 حزبا ممثلا في البرلمان (معارضة وأغلبية) بيانا مشتركا انتقد تباطؤ الحكومة في تنفيذ البرنامج الاجتماعي الذي يستهدف دعم الأسر المحتاجة المتضررة من الإجراءات الاحترازية مطالبا إياها بإشراك الأحزاب في هذا العمل معتبر أن "تسجيل لوائح المواطنين المستهدفين بالتوزيعات قد تمّ بطريقة ارتجالية، وكان دور الأحزاب فيه غائبا"، وفق نص البيان.

 

كما طالب البيان الحكومة أيضا بخفض أسعار المحروقات ومراقبة الأسعار بالإضافة إلى "إيجاد حلّ لمشكلة المُواطنين العالقين على الحدود، وإلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لصالح الفئات المهنية، في القطاعين المصنف وغير المصنف، التي تضررت بشدة من الوضع الحالي، وخاصة المدرسين في قطاع التعليم الخاص الوطني".

 

وختمت الأحزاب بيانها بالقول: "تأمل أحزاب الموالاة والمعارضة الممثلة في البرلمان أن تُفضي خطوات التنسيق الحالي إلى الدخول في مرحلة جديدة، تُمهد لنقاش القضايا الجوهرية للبلاد ووضع تصور لمعالجتها، وفق جدول زمني متفق عليه".

 

الشرارة الأولى

إلا أن هذا الأمل قد تبخّر أو يكاد فقد دخلت هذه الأحزاب في دوّامة من البيانات والبيانات المضادة بدأت بعيد عيد الفطر.

 

بدأ تلك الدوّامة بيان لأحزاب المعارضة جاء فيه "أن الأحزاب السياسية المُمثلة في البرلمان استجابت فوراً لدعوة السلطة، بهدف خلق إجماع وطني قادر على إطلاق ديناميكية جديدة لمواجهة هذا الوباء واقترحت الأحزاب خطة عمل في عدة محاور، كما تقدّمت بتوصيات وهي الاقتراحات التي لم تحظ حتى الآن بأي تجاوب"، على حد تعبير البيان.

وأعربت الأحزاب الموقّعة عن دعمها الكامل للجنة التحقيق البرلمانية في أداء مهمتها النبيلة، وحثّتها على الإسراع في إجراء تحريّاتها، بكلّ ثقة، قائلة إنها تواجه "حملة تشويه شعواء مُغرضة، للتشكيك في مصداقيتها، وهي الحملة التي يعرف الجميع مصدرها والواقفين خلفها" وفق البيان.

 

وندّت الأحزاب ببقاء من أسمتهم "رموز الفساد" في أجهزة الدولة وحثّت الحكومة على تبنّي قواعد الحكم الرشيد والشفافية في إدارة الموارد البشرية للدولة.

 

الحزب الحاكم أصدر بيانا في نفس اليوم أشاد فيه بخطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة عيد الفطر المبارك، ووصفه بأنه "استعراض صريح وشجاع للمرحلة الثانية من مواجهة كوفيد 19". كما ثمّن جهود الحكومة قائلا إنها "ساهمت دون شك في الحد من انتشار الفيروس ببلادنا."

 

ودعا إلى ضرورة التهيئة لما بعد جائحة كورونا واستشراف ما بعد الأزمة، موازاة مع مواجهة الجائحة. كما دعا "القوى السياسية وقادة الرأي إلى مواكبة المرحلة، بدعم السلطات العمومية في توجهاتها من أجل سلامة الجميع."

 

بيانان منفصلان كانا مؤشرين على أن مرحلة التنسيق والبيانات المشتركة قد تم تجاوزها فقد كانت مضامين البيانين متباينة وبعيدة كل البعد عن جوّ البيان المشترك التي ابتلع فيه الحزب الحاكم توجيه انتقادات للحكومة ورضيت المعارضة أن يثمّن عمل الحكومة ويؤكد على دعمها. كما أن وصف أحزاب المعارضة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني "برئيس الدولة"-وهو وصف قدحي، في قاموس السياسية الموريتانية، لم يمر أيضا مرور الكرام حيث أنه اعتبر، إلى حد ما، عودة إلى مربّع التشكيك في شرعية النظام.

 

ذروة المواجهة

لكنّ ذروة المواجهة كانت بعد مقتل المواطن عباس روكي في ولاية لبراكنه على يد الجيش في إطار عملية لمنع التسلل. فقد دانت أحزاب المعارضة-في بيانات منفصلة- الاستخدام المفرط للقوّة من طرف الجيش ودعت لتحقيق شفّاف فيما جرى للوقوف على حقيقة الحادث.

 

وكان ردّ الحزب الحاكم قويّا وجاء في بيان حمل توقيع لجنة الاتصال متهما بعض الجهات "بالنفخ في كير الفتنة" و"امتطاء حادث عرضي، بحثا عن موطئ قدم في ساحة بدأت تطبعها الجدية والعمل"، على حد تعبير البيان.

 

ولم يقتصر البيان على انتقاد التنديد بالحادث بل انتقد بيان أحزاب المعارضة السابق، متسائلا "كيف نفسر وصف البعض لرئيس جاء إثر انتخابات شهد الجميع بنزاهتها، في انتقال سلس للسلطة، وفريد من نوعه في المنطقة، بأوصاف العهود الاستثنائية التي تكوَّن البعض في دهاليزها البائدة"، كما جاء في نص البيان.

 

ختم حزب الاتحاد من الجمهورية بيانه بالقول إنه "بقدر ما يتمسك بجو الانفتاح والانسجام بين كافة أطراف الطيف السياسي الوطني سيظل عقبة كأداء في وجه كل من يكشر عن أنياب الفتنة ويسعى إلى إفساد فرحة شعبنا بالأمل الذي بدأ يدب في النفوس".

 

مستقبل المشهد السياسي

لم يكتف الحزب الحاكم بهذا البيان بل أصدر فريقه البرلماني بيانا استنكر فيه إشارة أحد الأحزاب –يعني حزب تواصل- إلى تعمّد الجيش قتل المواطن، مطالبا بإبعاد الجيش عن التجاذب السياسي.

 

وهو بيان استدعى ردّاً من الناطق باسم تواصل قال فيه إن بيان الكتلة حمّل بيان الحزب ما لا يحتمل، قائلا إن من "يسعى للوقيعة بين حزب سياسي ومؤسسة الجيش هو من يريد أن يحيد بالجيش عن مهمته النبيلة ويدخله في المعتركات السياسية"، وفق تعبيره.

 

فإلى أين تتجه العلاقات بين أطراف المشهد السياسي؟ هل تكون هذه المواجهة زوبعة في فنجان ويعود تنسيق أحزاب البرلمان إلى سابق عهده؟ أم أن المشهد سيعود إلى مربّع ما قبل سبتمبر 2019؟ وهل يتدخّل الرئيس للتهدئة ويعاود الاتصال بقادة المعارضة؟

اثنين, 01/06/2020 - 15:02